الحُب هو تاريخ المرأة و ليس إلّا حادثاً عابراً في حياة الرجُل (مدام دوستايل)
كانت الأزمنه تسير و تتهادى و أنا أتعقب أثر هذا الذي سيأتي ليصنع تاريخي, و يُغير تقويم أيامي و سنيني, هذا الغريب الذي طالما كتبت عنه دون أن أعرفه, هذا الرجل الذي يقف بيني و بين كُل ما أكتُب و بيني و بين أنفاسي و بيني و بين الحياة, حبيبي الخيالي الذي إخترعته منذ كُنت في الخامسة عشر و كتبت له أول خاطرة صدمت أهلي عندما إكتشفوها صُدفه, إحدى أبياتها تقول (شفتاه كانت تجذبني) و لم أكن حتى أطلت النظر بوجه أحدهم, و لا دقّ قلبي في عمري بالحُب إلّا نادراً لأني أزعم أني إنسانة صعبة الإرضاء, هذا الحبيب الذي رسمه خيالي هو من يُلهمني و يجعلني أسهب في الكتابة عنه دون ملل, عندما أكون غاضبه أكتب عن خيانته و غدره, عندما أكون مُنهكه أكتب عن بُعده و فُراقه, عندما يملأني الحنين أكتب عن شوقي إليه..
حتى أصبح هو تاريخي و هو المُعلّق بكل أشيائي, فكل مكان ذكرته فيه بقلبي أو خيالي أو قلمي أصبح له رائحته, حتى الأماكن اليوميه التي كُنت أطأها قبل أن يدخُل عالمي بكثير, أصبحت تُذكرني به, كأن تاريخها هي الأخرى بدأ بوجوده, حتى سحابتي الوردية التي تحملني و تسبح في سماء خيالي ثارت عليّ و قررت أن تنزل على الأرض لترى هذا الغريب الذي طالما حدثتها عنه, هي الأخرى نست كُل أيامنا و لم تذكُر سوى وجهه الحبيب, و أصبحت تتمدد و تتألق عندما تُظلله و تنكمش و تبكي عندما يغيب فتُمطر قلبي بالحنين, و قلمي الذي ينبض به دائماً أصبحت أقاومه و أوبّخه على هذا الإحتكار الذي رضي به, فيُخرج لي لسانه و هو يقول كتبته و أكتبه و سأظل أكتبه إلى أن تتخلصي منّه أو منّي.
أراجع تاريخي جيداً, فالأمم لا تتعلم إلّا من ماضيها, حسناً هذه هي سنوات الجاهليه قبله, و هذه هي البداية المُشرقه البريئه دائماً, هذه هي لحظة إقتحام القلب و إنهيار الحُصون, و هذه هي لحظات التسليم, ثم بعض المناوشات و المُبارزات و المقاومات الأخرى, إشتباكات دمويه و معاهدات صُلح, نبذ للوعود و إختراق للعهود, هذه هي لحظات الإنكسار و التقهقر, و تلك هي لحظات النهوض و المُجابهه, الشئ الوحيد الذي لم يكُن بيننا هو المؤامرات فبرغم إختلافنا إلّا أننا كُنّا نُبلاء, جيشان من اللهفه و الحرمان, بعض السنوات تمرّ عجاف من المشاعر, ثم تعود لفيضان كبير يُغطي و يُشبع ويفيض, غزواته كلها كانت إنتصارات, أعلامي البيضاء نفدت, حتى ثورتي ضد مُمارساته سُرقت, عُدت من حروبنا حافية القدمين بثوب متسخ أحمل ذكريات حُلوه بين أصابعي, هي كُل ما تبقى لي, مُحارب جيد هو لا يقبل الخسارة و لا يملّ من الهجوم, لكن حربي الأخيرة معه ستكون بارده و ليست في صخب غزواته, حتى إذا أراد أن يقتُلني هذه المرّه بسيفه أو أراد أن يغدر بي بخنجره, لن يجد منّي إلّا ظل!
سأهرب منه كلما إقترب لأنجو بقلمي و أستطيع أن أكتُب التاريخ بصدق و لا أتركه ليُشوهه المرضى و يجعلوا منّا طُغاه, خائنين أو مُثيري شغب, سأقُصّه يوماً على أولادي, فالتاريخ لا ينتهي و لا يسكن أدراج الرياح, تتنقله الأجيال, و يظل دائماً يحمل الأحداث, المُشوّقه, المؤلمه, و المُبهجه, و يظل يتأرجح ما بين خسارة و إنتصار, أمّا عن حادثتي العابره في حياته, فتلك هي الحادثه التي شوّهت وجهه بملامح العشق و وشمت مشاعره بالتدفق و إنغرست في قلبه كنصل حاد من الشوق يسري في دمه, حتى إذا نزعه سيظل بقلبه هذا الثُقب, يُذكره أن كانت هُنا حادثه عابره, مرّت بك فغيرت تقوميك لـ (ق.ح) و (ب.ح)
هناك 6 تعليقات:
أحلم أن أرى عينيك يوما تنعسان
فأرى هدوء البحر عند شروق شمس
شفتاك
أحلم أن أرى شفتيك حين تقبلان
فأرى اشتعال الشمس في ميلاد عرس
ماذا يغيظ الليل لو أوقدت عندي شمعتين
و رأيت وجهك حين يغسله الشعاع
و رأيت نهر العاج يحرسه رخام الزورقين
فأعود طفلا للرضاع
من بئر مأساتي أنادي مقلتيك
كي تحملا خمر الضياء إلى عروقي
ماذا يثير الناس لو ألقيت رأسي في يديك
و طويت خصرك في الطريق
محمود درويش
هو ليس من الغرباء
هو خيالك الملتصق بكى
هو حلمك و امنياتك
هو بغضك و تمردك
هو تفاعلك مع الحياة
هو شباكك للنظر للحياة
و هو قيودك التى تمنعك من الانطلاق
هو ملهمك و محفزك
جميل اللى كتبتيه يا شرين
تحياتى
الكاتبة الرائعة شيرين سامي :)
في البداية لا بد من إلقاء التحية والسلام على أهل النيل والأمنيات الخالصة لهم بان يجتمعوا كما كانوا على الدوام على قلب مصري واحد ... وثانيا كلمة استفتح بها كلامي بالسؤال عن حالك وقد مضى من الزمن طويلا دون سؤالك " كيف انت يا شيرين "
دعيني أخالف في البداية مقولة المدام دوستايل فهي على ما يبدو لم تستمع لاهات القيصر وهو يردد كلمات نزار التي عاتب فيها حبيبته على شكوكها حين اعتقدت أن دخولها في قلبه لم يكن أعظم يوم في التاريخ واجمل خبر في الدنيا :)
ذلك الحبيب الخيالي ومعاركه بين شوق وحنين ... هجران وجفاء ... امنيات وأحلام في الصحو والمنام ... كل هذا يجتمع لدى الكاتب كمصدر للإلهام في كتابة سطور تظل تنغرس في قلوب القراء والمعجبين بكلمات منها الصادق الذي ليس بينه وبين ما في طياته من مشاعر مرهفة الإحساس من حجاب مع كل من يرددها في سر أو علن ... ذلك الخيال الخصب الذي تملكين يا شيرين جعلنا نعيش أجمل اللحظات التاريخية في أدب الرومانسية الجميلة التي نفتقدها كثيرا في الكتابات العربية من حولنا هذه الأيام ....
وكم هو حقيقي وليس خياليا ما ذكرته في الفقرة الأخيرة من هذه التدوينية الرائعة التي استفزت قلمي للكتابة مطولا في تفاصيل تلك الحادثة التي شوهت وجه رجل بملامح العشق ووشمت مشاعره بالتدفق وانغرست في قلبه كنصل حاد من الشوق يسري في دمه ...
ولكن ذلك الثقب لن يكون حادثة عابرة في تاريخه بل هي كما قلت غيرت تقويمه إلى الأبد من ( ق . ح ) إلى ( ب . ح ) وهذا يقودنا إلى حقيقة أدبية وعلمية وعشقية و جغرافية ... ان امرأة قد تغير تاريخ رجل ولا تكون مجرد حادث عابر مضى في حياته :)
كل الود والتقدير لقلمك الراقي يا شيرين :)
إبراهيم رزق:
الأبيات جميلة يا أستاذ إبراهيم أشكرك عليها بجد :)
و سعيدة إن التدوينه عجبتك
هو بالفعل خيالي الذي لا يُغادرني :)
تحياتي الدائمه لك
أشرف محي الدين:
أهلاً أشرف فاجأني و أسعدني تعليقك بعد غياب
أولاً أهل النيل بخير و بإذن الله تكون وعكه و تمر..فمصر تحملت ما هو أكثر و مر بها ما هو أصعب و كانت دائماً أبيّه, حموله و قويّه..ثانياً أنا بخير الحمد الله و أتمنى أن تكون أنت أيضاً بخير و في أحسن حال..رمضان كريم عليك و على كل حبايبك :)
أنا بالفعل إكتشفت أن لكل مقولة أدبية مقولة أخرى تخالفها في المعنى و الرأي والغريب أننا نجد أنفسنا مقتنعين بالإثنين على حسب الموقف و الوقت و الإحساس..و قد ألهمتني هذه المقولة لكتابة التدوينة التي أسعدني أن تنال إعجاب كاتب مُميز مثلك بل و تستفز قلمه للكتابه :), و إن كُنت تعمدت عند النهاية أن أجعل من الحادثة العابرة التي تتركها إمرأة و حبيبة حقيقية في حياة رجل تاريخ في حد ذاتها, و سبب لتغيير التقويم عنده, و أنت بالفعل لمست مقصدي, فالحُب هو الذي يُحدد التاريخ بينهما و إن كانت مجرد حادثه عابره أم أثر كبير لا يمحيه ألف تاريخ.
أشكرك شكراً جزيلاً على إشادتك بقلمي فهذه شهادة أعتز بها جداً و لطالما كُنت مُشجّعي و تنبأت لي بالكثير فأتمنى ألا أخذل حُسن ظنّك بي.
تحياتي و تقديري الدائم لك :)
حقا لقد وجدت هنا كاتبة من الدرجة الأولى .. فرغم ان الموضوع شخصي جدا إلا أنك عبرتي عنه بأسلوب أكثر من رائع
أعترف أني وجدت هنا قلم من ذهب هو قلم ( شيرين سامي )
تحياتي
الكاتبة والإعلامية فاطمة العبيدي:
:)
أخجلتيني بكلماتك الكبيرة في حقي :)
أشكرك و تشرفت بزيارتك
تحياتي الخالصه لكِ
إرسال تعليق