سئمت الكلام في السياسه طوال الوقت, في العمل, في البيت, في العزاء, في الأفراح, حقاً سئمت تشبث كل إنسان برأيه و مهاجمته لآراء الأخرين ...لذلك قررت أنا أعود لمرفأي و ميناء أحلامي, و أن أحلق في خيالي المتناهي الأبعاد, هناك منذ أعوام عديده و أنا في المرحلة الإعدادية كان مقرراً علينا دراسة رواية إنجليزية (قصة مدينتين) A Tale Of Two Cities و كانت هذه الرواية من أكثر الأشياء التي أثرت في تشكيل وجداني و تحريك مشاعري للمره الأولى.
القصة لمن لا يعرفها هي لتشارلز ديكنز و تروي أحداثها في القرن الماضي, بداية من سنوات قبل الثورة الفرنسية و القمع و الفقر الذي كان يخيم على الفلاحين مروراً بأحداث الثورة و ما حدث فيها من عنف من الثوار تجاه الطبقة الأرستقراطية, و المدينتين هما باريس و لندن حيث دارت الأحداث, الأرستقراطي الفرنسي تشارلز دراني كان من المغضوب عليهم فعاش في لندن و تزوج هناك من لوسي مانيت و أنجبا طفلة جميلة, و عندما عرف بالثورة عاد ليحمي ممتلكاته من بطش الثوار الذين سفكوا الدماء و إنتهكوا أموال و ممتلكات الأغنياء و لجأوا للتخريب و الوحشية.
و لكن رجوعه كان سبباً في الحكم عليه بالإعدام بالمقصله رغم أنه شخص فاضل و ذلك يرجع لأسرته التي إرتكبت الفظائع في حق الناس البسطاء , الشخصية الرئيسيه من وجهة نظري و التي أثرت في كثيراً وقتها كان سيدني كارتون, المحامي الفاسق الذي يعيش حياة العربده و اللا مسئوليه, و لكن لحظة أن رأى لوسي مانيت كانت لحظة فارقة في حياته...و هذا هو الجزء الرائع في القصة بعيداً عن الأبعاد السياسية و الإجتماعية.
كارتون الشخص الذي يشعر دائماً بانه ليس جدير بشئ يقع في حب لوسي, هو يعرف أنها متزوجه و تحب زوجها, لكن كيوبيد كان معصوب العينين و هو يصوب سهام الحب في قلبه فعشقها حد الجنون و هو مدرك تماماً أنها لن تكون له, و كانت أجمل لحظات الرواية و هو يعلن لها عن مشاعره و حبه الكبير الذي فاق الخيال و إحساسه بها, أما الجمله التي هزت وجداني عندما وعدها قائلاً, تذكري أن هناك إنسان على إستعداد تام أن يموت من أجلك...
يحاول كمحامي أن يدافع عن زوجها بشتى الطرق و عندما يفشل أمام كل السبل لإظهار براءته و في لحظة من العشق الأسطوري, يبادل نفسه بزوجها و ذلك بسبب تشابههما الكبير, و يزج بنفسه في زنزانة الموت, تفاجأ لوسي التي كانت في طريقها للهرب من فرنسا لإنجلترا مع إبنتها, أن من خرج من السجن كان زوجها و تدرك أن من سيواجه حكم الإعدام هو كارتون...
ترى هل أحبته؟ نظرة عيناها له تقول نعم, صمتها أمام إعترافته يقول نعم, دموعها عليه التي سبقت فرحتها بنجاة زوجها تقول نعم, لكن هذه هي الحياة التي جعلت قلبها يعطي عهداً بالإخلاص لحبيب من قبله, و جعلته يقع في حبها حد الموت دون حتى أن يسمع منها كلمة حب أو يطالبها بشئ, هذه الرومانسية التي إخترقت حياة إنسان همجي مثله و حولته من أناني لعاشق يضحى بنفسه ليس من أجل حياتها بل من أجل حياة زوجها و من أجل سعادتها, تجعلني أقف إجلالاً و إعجاباً بمشاعر قلّ أن توجد في هذا الزمان.
إنتهت الرواية بإعدام كارتون و بكيته مع لوسي و بكيت معه الحياه و الأقدار الظالمه لكن بقيت أسطورة حبهما في قلبها و خيالي رغم كل شئ.
كنت أسأل نفسي وقتها هل ممكن أن يُحبني إنسان هذا الحب الأسطوري مثل حب كارتون للوسي و يعدني نفس الوعد دون أن ينتظر مني شئ أم أنه فقط كلام روايات, في الحقيقه الإجابة مُحيّرة لأن العاشق دائماً يريد المقابل لحبه بل و يطمع في المزيد, أما الوعد بالتضحية أعتقد هناك نوع من العشاق يقول الكثير و لكن بداخله يعرف جيداً أنه ليس أهلاً للتضحية , و هناك من لا يقول لكنه على الإستعداد التام بأن يضحي بالغالي من أجل حبيبته, و لكني أفضل النوع الثالث الذي يقول و يصدق و يفعل :)
**************
التدوينة نشرت على المدونة بتاريخ 2011/12/01 هنـــا
أعتذر عن غلق المدونة الأيام الماضيه و أشكر كل من إهتم وسأل عني ... مزاج سيئ مصحوب بأحوال سيئه يمر بها وطني
الحمد لله على كل شئ و على نعمة وجودكم