كل يوم يمرّ عليّ أسأل نفسي نفس السؤال
لماذا يا أُمي؟
لماذا زرعتي في بذور السذاجه و حسن النية..ألم تعرفي أنها ستطرح عند كبري الألم و الخيبة.
لماذا وضعتي في العزة و الكبرياء..ألم تعرفي أنها ستغدو عند كبري حماقة كُبرى وأني سأمر بمراحل الذُل دون هواده.
لماذا يا أمي عاملتيني كأميره..حرمّتي علي دخول المطبخ و حمل الأشياء و كل عمل قد يترك أثره على يدّي الصغيرتين, تركتيني لألهو و أضحك و أقرأ همستي لي بأني الحُسن يشمي على قدمين و النور الساطع بين السُحب, و أن شموخي في تلقائيتي و جاذبيتي في عفويتي, ألم تعرفي أني أعيش في زمن يحترم الرعاع و يسحق الأميرات!
لماذا يا أمي أخبرتيني أن الطيبة حُلوه و العفو جنة, لماذا محوتي من قاموسي كلمة "خصام"...كم إحتجتها منذ كبرت و لم أجدها كم تمنيت أن تكون لدي عادة "القمص" لماذا لا أخاصم من يؤذيني لماذا لا "ألوي بوذي" و "أتقمص" مثل كل البنات..(متناميش و إنت مخاصمه حد) ظننتي الخصام سيؤلمني؟ لم تعرفي يوماً كم آذاني تسامحي الأعمى.
لماذا يا أمي نبأتيني أن الدراسه هي الطب و الهندسه..لماذا حلمتي بي "دكتوره" و أنا من أكره المستشفيات و رائحة الدواء..لماذا تصورتيني دوماً بالـ(البالطو) الأبيض و الكل يناديني..دكتوره..يظنون الدواء عندي و أنا لا أملك إلا الداء..
لماذا كنت دائماً تتمنين أن أتزوج مبكراً...و أن يكون "دكتور" أيضاً..أتعرفين أني "طفشت" العديد من العرسان دون علمك خوفاً من موافقتك..و كنت أنظر إلى أي شاب ليس "دكتور" أنه للأسف غير مناسب و كأن مكتب التنسيق هو من سيختار زوجي! , عشت في سني الصغيره إحساس التأخر في الزواج, و أنا من تزوجت في ال 22 من عمري!
لماذا يا أمي أخبرتيني أنني لا يجب أن أُخطئ..عشت حياتي "أعمل الصح" لا أُخطئ أبداً! و قلتي لي أن الإستغفار ثلاثاً يمحي الذنب...صدقتك و إستغفرت و لكني لم أندم..ليس لدي سبيل للندم..و لم أعرف قبلاً كم هي صعبه...التوبه.
لماذ يا أمي كل شئ عندك كان جميل و أبيض؟ ألا تعرفي أن الحياة بها الكثير من القبح و السواد..ماذا أفعل بنظارتي الورديه الآن؟ حطمتها الحياه لو تعرفين..و الطفلة الشقراء الضحوكه داخلي أصبحت تبكي بصوت عال..و تتمنى لو كانت أخرى..أقوى.
أتعرفين يا أمي أني أخيراً تمردت...ألقيت حذائي العالي و مشيت حافيه, إستبدلت فستاني الأبيض بآخر أحمر, و شعري المُهذّب بآخر غجري, رسمت عيوني بكحل فاحم, نحّيت براءتي, نزعت الإحترام المبالغ من عباراتي, وضعت بمعصمي العديد من الأساور يغطي صوت صليلها صوت بكاء طفلتي الحمقاء, و غادرت أرضك الساذجه, مشيت بسعاده في الأسواق, سهرت أناجي القمر في الطلّ و ليس من وراء النافذه و إبتسمت للشمس عندما طلّت على عيوني التي لم تنام, ترددت على المقاهي و مشطت الشوارع بحثاً عن ذاتي, رقص قلبي فرحاً بحياة الصعاليك التي طالما نشدها و بحُرية دبت بين أوصاله.
لكن لم يدم الأمر طويلاً يا أمي..نظرات الناس لي كانت غريبه, قاسية, قاصية, أخبرتهم أني "أنا" قالوا لا لست أنتِ, نظرتك تقول أنك لست من هنا, أنتِ أميره تائهه ضائعه..عودي إلى شاطئك الآخر..فليس هنا مكانك و السعاده هنا ليست من حقك و لا تليق بك, إذهبي إلى قصرك البارد, إجدلي شعرك ضفائر و إخلعي خلخالك, إخفضي صوت ضحكتك و إحبسي أنفاسك, عودي لأرضك الطيبة و صفي الدواء كما كنتِ.
و ها أنا عدت يا أمي بعد أن لفظني الشاطئ الآخر..طريدة الجنة أنا و طريدة النار..
إطلبي لي الرضا....و الرحمة يا أمي...
*************
تم الإنتهاء من الكتاب الإلكتروني الجماعي "كلام ألوان"
لي مشاركه فيه بقصة "نُطفته"
بالإضافه لمشاركة نُخبة من المدونون
التحميل من هنا
و صفحة الجودريدز هنا
هنتظر رأيكم :)