كانت الأزمنه تسير و تتهادى و أنا أتعقب أثر هذا الذي سيأتي ليصنع تاريخي, و يُغير تقويم أيامي و سنيني, هذا الغريب الذي طالما كتبت عنه دون أن أعرفه, هذا الرجل الذي يقف بيني و بين كُل ما أكتُب و بيني و بين أنفاسي و بيني و بين الحياة, حبيبي الخيالي الذي إخترعته منذ كُنت في الخامسة عشر و كتبت له أول خاطرة صدمت أهلي عندما إكتشفوها صُدفه, إحدى أبياتها تقول (شفتاه كانت تجذبني) و لم أكن حتى أطلت النظر بوجه أحدهم, و لا دقّ قلبي في عمري بالحُب إلّا نادراً لأني أزعم أني إنسانة صعبة الإرضاء, هذا الحبيب الذي رسمه خيالي هو من يُلهمني و يجعلني أسهب في الكتابة عنه دون ملل, عندما أكون غاضبه أكتب عن خيانته و غدره, عندما أكون مُنهكه أكتب عن بُعده و فُراقه, عندما يملأني الحنين أكتب عن شوقي إليه..
حتى أصبح هو تاريخي و هو المُعلّق بكل أشيائي, فكل مكان ذكرته فيه بقلبي أو خيالي أو قلمي أصبح له رائحته, حتى الأماكن اليوميه التي كُنت أطأها قبل أن يدخُل عالمي بكثير, أصبحت تُذكرني به, كأن تاريخها هي الأخرى بدأ بوجوده, حتى سحابتي الوردية التي تحملني و تسبح في سماء خيالي ثارت عليّ و قررت أن تنزل على الأرض لترى هذا الغريب الذي طالما حدثتها عنه, هي الأخرى نست كُل أيامنا و لم تذكُر سوى وجهه الحبيب, و أصبحت تتمدد و تتألق عندما تُظلله و تنكمش و تبكي عندما يغيب فتُمطر قلبي بالحنين, و قلمي الذي ينبض به دائماً أصبحت أقاومه و أوبّخه على هذا الإحتكار الذي رضي به, فيُخرج لي لسانه و هو يقول كتبته و أكتبه و سأظل أكتبه إلى أن تتخلصي منّه أو منّي.
أراجع تاريخي جيداً, فالأمم لا تتعلم إلّا من ماضيها, حسناً هذه هي سنوات الجاهليه قبله, و هذه هي البداية المُشرقه البريئه دائماً, هذه هي لحظة إقتحام القلب و إنهيار الحُصون, و هذه هي لحظات التسليم, ثم بعض المناوشات و المُبارزات و المقاومات الأخرى, إشتباكات دمويه و معاهدات صُلح, نبذ للوعود و إختراق للعهود, هذه هي لحظات الإنكسار و التقهقر, و تلك هي لحظات النهوض و المُجابهه, الشئ الوحيد الذي لم يكُن بيننا هو المؤامرات فبرغم إختلافنا إلّا أننا كُنّا نُبلاء, جيشان من اللهفه و الحرمان, بعض السنوات تمرّ عجاف من المشاعر, ثم تعود لفيضان كبير يُغطي و يُشبع ويفيض, غزواته كلها كانت إنتصارات, أعلامي البيضاء نفدت, حتى ثورتي ضد مُمارساته سُرقت, عُدت من حروبنا حافية القدمين بثوب متسخ أحمل ذكريات حُلوه بين أصابعي, هي كُل ما تبقى لي, مُحارب جيد هو لا يقبل الخسارة و لا يملّ من الهجوم, لكن حربي الأخيرة معه ستكون بارده و ليست في صخب غزواته, حتى إذا أراد أن يقتُلني هذه المرّه بسيفه أو أراد أن يغدر بي بخنجره, لن يجد منّي إلّا ظل!
سأهرب منه كلما إقترب لأنجو بقلمي و أستطيع أن أكتُب التاريخ بصدق و لا أتركه ليُشوهه المرضى و يجعلوا منّا طُغاه, خائنين أو مُثيري شغب, سأقُصّه يوماً على أولادي, فالتاريخ لا ينتهي و لا يسكن أدراج الرياح, تتنقله الأجيال, و يظل دائماً يحمل الأحداث, المُشوّقه, المؤلمه, و المُبهجه, و يظل يتأرجح ما بين خسارة و إنتصار, أمّا عن حادثتي العابره في حياته, فتلك هي الحادثه التي شوّهت وجهه بملامح العشق و وشمت مشاعره بالتدفق و إنغرست في قلبه كنصل حاد من الشوق يسري في دمه, حتى إذا نزعه سيظل بقلبه هذا الثُقب, يُذكره أن كانت هُنا حادثه عابره, مرّت بك فغيرت تقوميك لـ (ق.ح) و (ب.ح)