الاثنين، 9 يوليو 2012

طاقات نور



يمد سبابته, يرفع إبهامه و يضم أصابعه الصغيره فتصبح يده مسدساً آدمياً صغير, يصوبه في إتجاه أرباب فصله و هو يصرخ "هجووووم" فينطلقوا بمرح و خوف مفتعل, يختبئوا خلف الأشجار و حول بناية المدرسة , يتتبعهم في هدوء حتى يلمح أحدهم فينقض عليه بمسدسه الصغير الذي يهزه و يصدر صوت طلقاته من فمه..طاخ طاخ طاخ..فيقع زميله على الأرض و يطلق هو طلقات في الهواء معلناً إنتصاره في اللعبة, إعتاد محمد أن يكون هو البطل و الكل ينصاع له, يجتمع الأطفال ليتفقوا على اللعبة التالية..حرب القنابل.


يحضر أحدهم حقيبة بلاستيكيه مملؤه بعُلب الصودا المعدنية الفارغه, يقبض كل طفل على علبتين و يذهب للإختباء, يظل هو قلق و مترقب لا يحب الإنهزام أبداً, فأباه علمه ألا يرضى إلا بالنصر, يسمع خروشة أحدهم فيباغته بأن يلقي عليه العُلبة, فيقع الطفل مُصدراً صرخة مدويه بينما يقوم هو بصوت الإنفجار..توالت اللُعبه حتى أتى صديقهم وليد بإقتراح مثير..ماذا لو لعبنا لُعبة الحرب في مكان آخر غير ساحة المدرسة؟


تعالت الأسئله و الهمهمات..أين؟ و كيف؟ و هل سيسمحوا لنا؟ أجابهم وليد بنبرة العارف بكل الأمور..بجوار ساحة منزلنا يوجد ميدان حرب..تزداد كثافة الأسئله و تعلوا الرغبة بتجربة مكان آخر للعب, يستكمل وليد بنبرة أكثر إثارة "يوجد بها دبابة و يوجد الكثير من الأطلقه" يصرخ الأطفال من النشوة و يتفقوا على اللقاء عند بيت وليد بعد العودة من المدرسة.


يُلزِم محمد الكثير من الإلحاح حتى ترضى أمه أن يذهب لبيت وليد, تحجج بغياب والده المستمر و إنشغاله الدائم بالعمل و عدم خروجه أو تنزهه منذ مدة طويله, و بأن بيت وليد يبعد عن بيته بشارعين ليس أكثر, حتى وافقت أُمه صاغرةً على ألا يغيب أكثر من ساعة, ذهب ليجد أنه الوحيد هناك, فقط هو و وليد, لم ينتظرا بقية الأصدقاء بدأا باللعب فوراً, أمسك وليد برشاش حديدي أعطى محمد مسدس ماء بلاستيكي و راح يلاحقه عند الساحة القريبة من المنزل, المكان هادئ و الدبابة القديمه تعطي اللعب رونقاً خاصاً, إختبئ محمد خلفها و هو يقول لصديقه:
-لن تنال مني.
رد وليد ضاحكاً: سأنال منك..كما نال الجنود من أبو هيثم صديقنا.
-لكن أبو هيثم كان وحده..أما أنا فلي أهل, إخوان كبار و أخوال و أعمام.
ضحك وليد بمرح أكبر: لن يسأل فيك أحد..كلهم مشغولون عنك.
بدأ محمد يخاف خوفاً حقيقياً و حاول جاهداً أن يتذكر نصائح أباه بأن يكون شجاعاً يقابل المصاعب بصدر عارِ و قلب ميت, فراح يراوغ خصمه و يحتمي بالدبابه, صرخ فيه وليد:
-لا تحاول..أنت حتماً أضعف..سلاحك صغير و كل أصدقاءك و إخوانك تخلوا عنك.


هجم محمد بشجاعه على وليد فأسقطه أرضاً ثم أخذ رشاشه و راح يلوح به في السماء بعلامات النصر, غضب وليد و راح يبكي بحرقة لا تتناسب مع الوقف..جلسا فوق الدبابه و راح يقص على محمد سبب ضيقه, لقد عاد اليوم من المدرسه و لم يجد أخته نور, أخبرته والدته التي لم تتوقف عن البكاء أن بعض الغرباء قبضوا عليها و سحبوها لأنها كانت تصور بعض المعارك القريبه.."و ماذنب نور..هي كانت تريد أن تحقق رغبتي بأن أشاهد معركه حقيقيه..ماذنب نور..لماذا لم يقبضوا علي أنا؟"


سمع الطفلان أم وليد و هي تنادي بصوت عالي..يا أولاد تعالو...تعالوا..
هرعا بسرعه و خفة يحسبا أنها أعدت طعام الغذاء, لكن نداءها متعالي و حاد, منذر بخطر, دخلا ساحة المنزل وجدا في عينيها نظرة رعب و لهفة كانت فاتحةّ ذراعيها دون تفكير إلتصقا بها, صوت طائره يقترب, يبتسما فالطائرات كانت لهما مصدر البهجه حتى وقت قريب, يزداد صراخها و بكاءها, يسألاها ببراءة عن حبات النار المتساقطه من الطائره, فتجاوبهما بصوت هادئ و إيمان..أنها طاقات نور..تقترب الطاقات و يصرخ الجميع و هما كجسد واحد "لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله"


بعد عدة أيام تنشر الصحف خبر إستشهاد الضابط المنشق حديثاً عمر (أبو محمد) بعد معركة دامية مع كتائب الأسد قُتِل على أثرها عدد من الضباط على يده...و تظل طاقات النور في سماء سوريا.

**************


دي كانت مشاركتي في يوم التدوين الموحد عن سوريا
لظروف السفر قد أتغيب قليلاً
أسألكم الدعاء و أتمنى لكم التوفيق

هناك 10 تعليقات:

Unknown يقول...

رائعه جدا يادكتوره شيرين واثرت فيا جدا تسلم ايدك

مصطفى سيف الدين يقول...

جميلة جدا جدا
تسلم ايدك يا دكتورة
و ربنا يحفظ اهلنا و بلادنا من كل سوء

Bent Men ElZman Da !! يقول...

مؤلمه اوى يا شيرين وجميله اوى اوى
ربنا يحفهظهم ويحميهم يارب

تروحى وتيجى بالسلامه ان شاء الله :)

هبة فاروق يقول...

حلوه اوى يا شيرى
بارعه فى سرد الحكايات
بس انتى ناويه تسيبينا وتسافرى لالا مفيش حجج انا سافرت وكنت بتواصل معاكم ومقطعتش ..حاولى تتواصلى معانا من هناك
حنفتقدك شويه صغيرين ..اوى تغيبى علينا كثير
تروحى وترجعى بالسلامه ان شاء الله

سواح في ملك اللــــــــــــــــــه- يقول...

السلام والتحية لشعب سوريا العظيم

وشةفينتصر الشعب السوري

ضياء عزت يقول...

للحرية تمن يدفعه (هؤلاء)

تسلم إيدك

Menna يقول...

انا فعلا مش عارفة اعلق
حبيت اقولك بجد انها جميلة و مؤثرة و.... مش عارفة
تسلم ايدك بجد

eng_semsem يقول...

جميله اوي يا دكتور
تسلم ايديكي
اللهم انصر اخواننا بسوريا
تحياتي

سندباد يقول...

ان نصر الله قريب
ترجعي بالسلامة ان شاء الله
تقبلي مروري

Unknown يقول...

شريف
مصطفى سيف
دينا بنت من الزمن ده
هبه فاروق
سواح في ملك الله
ضياء عزت
منّه
أسامه
سندباد

شكراً لتواصلكم بجد
و عذراً لتقصيري

تحياتي لكم