قررت هذا العام أن أصنع الكحك بنفسي..أعرف أن الكحك الجاهز بالمحال سيكون أفضل و أوفر و أضمن, لكني أحب أن أجرب طعم كحك من صنع يدي بطعم نَفَسي و بنكهة روحي, سئمت العُلب الجاهزة المغطاه الفاخره, أريد كحكاً وليدي مصنوعاً بخليط مشاعري, محضراً بمقادير همومي, مخبوزاً بفرحي, و مرشوشاً بحُبي..
إنتظرت حتى أصبح البيت خالياً إلا مني إرتديت أريح ملابسي و وقفت حافيه في المطبخ, إشتريت المنخُل اليوم..سعيده به و كأنه لُعبتي المفضله أو ثوب العيد الجديد, أضع رشة ملح على الدقيق حتى ينفرط بسهوله..يبدو أن الملح أساسي حتى في الحلوى! ..أنخل الدقيق بسعاده و أنخل معه حزني و وجعي و همومي, أجنبهم فوق المنخل و أدع الطيب من حياتي فقط يتساقط مع الدقيق..أنخل و أنا أغنّي أغنيه لم أتوقعها لمطربه لا أحبها.
بيقولولي تووووبي...توبي توبي تووووبي...إزاي بس إزاي
تتوبي يا عين إزاي إزاي
عاشقه و غلبانه و النبي...عاشقه و مسكينه و النبي
ده أنا كل حته فتوبي...دايبه...دايبه...دايبه فـ هوى محبوبي
أتخيل كحكي و هو في فمه و آثار السكر على شفتيه, و هو يجاملني و يقول "حلو عشان من إيديكِ" لكن سرعان ما أعود للواقع..أطحن أحلامي و معها ملعقه من رائحة الكحك أضعها مع البيكنج بودر على الدقيق و أستمر في النخل..و في الغناء بصوت أعلى.
أخفق السمن البلدي مع الحليب بقوه و خفه حتى يتجانسا تماماً أحاول ألا أتذكر إلا كل لحظة حلوه في حياتي حتى ترتسم على وجهي هذه الإبتسامه الغريبه التي تأتيني من دنيا الخيال و التي يسألني الناس عنها عادة و أجاوبهم برفع أكتافي, ثم أضيف الخليط للدقيق المنخول و لا أنسى أن أرش السمسم بسعاده و كأني أرش حياتي بأوراق الورد علّها تصبح يوماً في جمال و نضارة الزهور..
العجين متجانس و ناعم, تتلقفه يدي الصغيرتين النظيفتين بعد أن قصصت أظافري و مسحت طلاء الأظافر مخصوص لهذه المناسبه, أنسى موضوع الكحك و أبدأ في اللعب, أصنع كرات صغيره كثيره أسمّيهم بأمنياتي و بشفاه شبه منفرجه أطبع عليهم قُبلات متعدده بقدر أهمية الأمنيات.
أشكّل الكرات على هيئة قلوب فارغه, ثم أبدأ في الحشو, البعض أحشيه بملبن طيب ليّن هيّن, و البعض الآخر بعين جمل متمرد لاذع كمُهرِ حرون, إنه حشوي المناسب تماماً بعضي ملبن و بعضي عين جمل, أطبطب على العجين بحنان و أغلقه على حشوه, ثم أعيد تكويره و قد إنسجم تماماً مع دفئ يدي, أضغط عليه بحب و فرحة عيد.
نأتي للخطوه المهمه النقش..المنقاش صغير يناسب يدي الصغيره التي لا تطيق الصبر , ليست لدي أي ذكريات مع نقش الكحك غير مشاهدته في الأفلام, فبيتي لم يعرف غير التكلف و الكحك الجاهز, أحاول أن أنقشه بحروف و أسماء و أزيّنه بقلوب صغيره, أعرف جيداً أن حرارة الفرن لن تترك نقشي على حاله, ستصهره كما تصهر كل أحلامي, لكني أنقش بأصابع الخيال الذي لا يكف عن الدوران بحياتي, أجدني أغنّي مره أخرى لمطرب آخر لا أحبه !
اللى فات من عمرى بتندم عليه...ما اتقابلناش من زمان مع بعض ليه
و العيون لو تنحرم يا حبيبى منك تبقى ايه فايدتها و اعمل بيها ايه
بس ده مش كل حاجه و انت عارف كل حاجه
ده انت لو تطلب عنيه مش كفايه.. وان سألت كتير عليه مش كفايه
عايزك انــــت قلبك انـــــت و ابقى جانبك من البدايه للنهايه
أرصّه في صينيه, أضعه في فرن متوسط الحراره..و أظل في المطبخ في إنتظار و شغف, كأني على موعد مع حبيب لا يأتي إلا متأخراً متبختراً..
بعد خمسة عشر دقيقه أخرجه من الفرن بعد أن تكون رائحته إحتلت المكان مختلطه بأنفاسي المشتاقه العاليه, أقف أمامه مذبهلّه و كأني أم لأول مره ترى الصغير الناعم المستدير بلون أحمر و بشره ذهبيه, أتركه حتى يبرد و عيني لا تريد أن تقع على غيره, ثم أرشّه بسكر أبيض ناعم..فبعد الحراره الشديده يأتي السكر دائماً في النهايه...
فكرة البوست مستلهمه من تدوينة أرز باللبن لشخصين..لرحاب بسام.
****************
من أحب تدويناتي لنفسي..