كنت أجلس على الكُرسي الدوّار أُطالع في المرآة نفسي, شعري الندي, جبيني الناصع, نظرتي المُنطفئة, أتمعن في اللون الداكن الذي ظهر مؤخّراً تحت جفني و ترك بوجهي مظهر الإرهاق الدائم, حتى أتت فتاة تتمايل و تُطرقِع بالعلكة في فمها, تُظهِر نصف شعرها من وراء حجاب ضخم فوق رأسها و تضع على وجهها أطنان من الذواق, و ما أن أمسكت بشعري حتى صدرت منها ضحكة ساخرة و هي تسأل "أين شعرك يا آنسة أو يا مدام؟" أجبتها و أنا لم أفهم سؤالها جيداً "أتقصدين أنه خفيف؟", لم ترُد, إنما أمسكت بالمشط و راحت تُمشطه و هي تُتمتم و تُحرك شفتيها في صعبنه و إعتراض و أنا أراقبها في تعجُب و إنتظار, حتى إنهارت مقاومتها أخيراً و قالت:
-يجب أن تُعالجي شعرك..فأنا لم أرى في حياتي شعر بهذا السُمك الضعيف..إنه لا يرقى أن يكون خُصلة من شعر أي من زبائني.
و أنا التي تمشي في الشوارع بثقة تجعلها لا ترى أحداً, و تجلس وراء مكتبها في العمل تُحدث الموظفين بقوة و تُلقي الأوامر بِحزم, أنا التي لا يجرؤ أحد على توجيه النقد لها خوفاً من لسانها الحاد و طبعها الجاد, جلست أمام هذه الفتاة ذات العلكة, كالتلميذة المُذنبه, حتى عِندما كررت كلامها لم أجد بُداً من أن أسألها على طريقة لعلاجه, و أجابتني بأن أتناول أقراص الثوم و الفيتامينات و أن أزور طبيب إن أمكن, و هُنا شبّت فجأة إمرأة أربعينيه تنتظر في الجوار و قالت "أعتقد أنها مسألة مُتعلّقه بالحالة النفسية"
نظرت لها شذراً كأني أقول "إصمُتي" و بالفعل لململت نفسها التي كانت على أعتاب إلقاء مُحاضرة و سكتت.
عِندما تركت الفتاة شعري لترُد على هاتفها المحمول الموضوع في حافظة فاقعة اللون لها أُذُنا أرنب, نظرت إلى المرآة من جديد و من بين صوتها الذي أصبح أرفع و أكثر ميوعة و دلال, طالعت أنا شعري, أو ما تبقى مِنه, شعري الذي كان مثار الإعجاب في الجامعة, و الذي علّق عليه هو كأجمل ما في, تذكرته و هو يقول لي كُلما كُنت أنهض عن حُضنه و أترك شعري عالقاً بشفتيه و منابت ذقنه, "شعرك يقع..ستُصبحين صلعاء" و كُنت أصمت بل و أضحك حتى لا أُفسِد اللحظة, إستكملت الفتاة عملها في شعري و هي تُقرر "سأجعل شعرك خُصل مجعّدة" فإستطردت "لكني أُفضِل الشعر المفرود الناعم", فردّت بِسُخرية و هي تغمِز"المُجعّد سيجعله يبدو أكثر كثافة"
في الطريق تذكرت آخر خلاف بيننا عِندما أمسك بشعري بقوّة و هو ينهرني, نظرت له و أنا تحت قبضته بإستجداء, و ما أدراك ما إستجداء المُعتد بنفسه, كُنت أستجدي مشاعره أُحاول أن أُذكّره بتلك الفتاة التي كان يمسح على شعرها و يُلقي على مسامعها كل مرادفات الأمان, كُنت أُحاول أن أُعيد لذاكرته هذه الفتاة التي كان يسترق منها القُبل و المشاعر و يكُتب الغزل في شعرها قبل أن يمتلكها في بيته.
دخلت المنزِل و أنا أفكِّر جِدياً في حل لِمُشكلة شعري, وقفت أمام المرآة و أنا أنظر لشعري الجديد المُجعّد بإستغراب, شعرت أنني لم أعُد أنا, لم تعُد لقسماتي هذه الرقّة, و لم يُعد بوجهي لمحة من أمان, كُنت شاردة, أُخفي خوفي و ألمي وراء قوة زائفة و ثقة مُصطنعه, كُنت بائسة تدّعي المرح و ترتدي الألوان الزاهية, شعري المُجعّد الآن يُناسبني أكثر.
كُنت بكامل بهائي و عنفواني عندما خرجت, وعندما عاد في المساء و لم يجدني و لا وجد كُل ما يخُصّني, أرسل رسالة هاتفية يسألني "لماذا؟" رددت برسالة أخيرة "فقط..أردت أن أُعالج شعري"
هناك 8 تعليقات:
قصة مؤثرة .. سلمت يداكِ يا شيرين
تسلميلي يا إمتياز :)
رائعة يا شيرين ومعبرة جدا
هي تريد أن تستعيد نفسها .. وليس فقط شعرها ..
القصة رائعة ياشيرين .. دمتي مبدعة :)
بحقِّ ما لدينا..
من ذِكَرٍ غاليةٍ كانت على كِلَينا..
بحقِّ حُبٍّ رائعٍ..
ما زالَ منقوشاً على فمينا
ما زالَ محفوراً على يدينا..
بحقِّ ما كتبتَهُ.. إليَّ من رسائلِ..
ووجهُكَ المزروعُ مثلَ وردةٍ في داخلي..
وحبكَ الباقي على شَعري على أناملي
بحقِّ ذكرياتنا
وحزننا الجميلِ وابتسامنا
وحبنا الذي غدا أكبرَ من كلامنا
نزار القبانى
دائما العيون هى التى تعبر
لكن مع شرين سامى
فالشعر يتحدث و يعبر و يتألم و يصرخ و يئن و يحن
جميلة جدا يا شرين
تحياتى
أكبرَ من شفاهنا..
بحقِّ أحلى قصةِ للحبِّ في حياتنا
أسألكَ الرحيلا
السلام عليكم
فعلا شيرين، قصتك حقيقة تعيشها كثيرات..
مش عارفة أقول ايه !
و تاهت الكلمـــــــــــــات
روعـــ الروعة ــــــــــــة
تحياتي و امنياتي بحياة طيبة :)
هااااااااااااااايييييييييييح
ليس هناك تعليق انسب صدقاً :)
إرسال تعليق