تحاول أن تطير جناحاها لا يسعفاها..قصيران صغيران ضعيفان..ليس لأنها صغيره و لا لأنها أنثى لكن لأنها لم تعتد الطيران..و الجزء الذي لا يستعمل يضمر, كانت تحلم كثيراً بالطيران..بالتحليق بعيداً عن بؤس الأرض و غدر الحيوانات و ظلم البشر..تحلم بهذا الفضاء الذي لا يؤمن بالقيود و لا يرضخ للقواعد و الفروض..الحلم صار يشكّل نصف يومها..تُحلّق بدنيا من صنع خيالها حيث لا يمنعها شئ على وجه الأرض من أن تكون حُرّه و تمارس ببساطه حقها في الإختيار دون حساب لشئ و دون خوف من شئ فقط قلب نابض و روح منطلقه تحلق في إتساع السماء.
و سريعاً ما ينتهي الحلم و يناديها الواقع فتقوم نشيطه سعيده من أثر حلمها..تفشي في الكون الفرحة بحسنها و طيبتها و حيويتها الدائمه..تسخر في نفسها من البشر و هم يرمزون بها للسلام..لا يدرون شيأّ عن الصراع الذي تكابده بجناحاها الصغيران و خيالها الذي يسع الكون..لا يعلمون شياً عن روحها المختلّه بين قيمها المأثوره و رغباتها المدفونه..أي سلام في حياة بين جاذبية الأرض و سحر السماء.
حتى كان هذا اليوم الذي قابلته فيه..أعجبته براءتها و أعجبها تمرده و جرأته التي إقتحم بها روحها و شعرت بإختلافه عن باقي البشر..قدّم لها الماء بين يديه, و لم تتردد أن تشرب و كأنها ما شربت أبداً من قبل..و كأن الماء أصبح له طعم و مذاق يشبه التعاويذ السحرية..و لكنها لم تعرف إن كان السحر أتى من الماء أم من لمسة يداه عندما مررها على ريشها الناعم برفق, و لكنه حلّ بها على أية حال, وأدمنت الشّرب من يديه كل ليلة.
سكنتها روح مغامره من يوم أن عرفته, كانت على إستعداد تام أن تضحي بأي شئ من أجل هذه اللذه التي يشعلها داخلها بصخبه و جنونه..و قررت أن تُفعّل هذا العضو الضامر فيها..قررت أن تحوّل نصف يومها الوهمي لحقيقه و أن تعيش الحلم و لو لدقائق معه..وقفت تتباهى أمامه بحسنها فأمسكها برفق و رفعها للسماء حاولت بكل ما فيها أن تبتعد عن الأرض..حماسها أكبر من قوتها..حلمها الواسع يناديها..تركت قدماها سطح يديه..رفرف الجناحان الصغيران..طارت و طارت و طارت...ملأتها النشوة و دثرتها المتعه..
دقائق قليله بسنوات عمر..ثم هبطت على الأرض..لم يعجب صاحبها هذا الطيران الضعيف..لم يبهره كونها لازالت قريبة من الأرض..أشفق عليها من السقوط و على نفسه من صداقة حمامه لا تجيد الطيران مثلها..تركها و إنصرف..لم تستطع أن تفشي السلام في قلبه و حياته الهمجيه..و لم يستطع أن يحتوي حلمها..إفترقا..
كان يظنها مجرد حمامه تأكل القمح و تصنع البيض و تعيش في جماعات و تطير في أسراب.. و لكنه لم ينتبه أنها حمامه وحيده تعيش خارج السرب حتى و إن إستأنسوا بها..لم يفهم أبداً سر روحها الصاخبه و مشاعرها النابضه و حريتها التي تمارسها في خيالها و بين حدود نفسها..لم يدرك أبداً أنها تتمنى أن تسبح في الفضاء بحُرّية ليس لها من حدود و أن تطير لأعلى و أعلى..لولا الجناحان الصغيران..ولم يعرف أبداً أنها أصبحت تطير كل ليلة به أو بدونه.