زحف الليل على السماء و هزم النهار في غزوته اليوميه ليطفئ لهيب الشمس و نورها, أنظر أنا من النافذه لأرى وجهاً لعروسه في أبهى حلتها سمراء لها عيون سوداء ذات نظرة عميقه بريئه و رموش كحيله, لها ضفيرتان في سواد الليل و وجنتان في حمرة الغروب, تنظر لمن يتجه لها بشوق و تزداد إبتسامتها كلما إقترب, تقترب الطائرة تلمس عجلاتها الأرض الطيبه, و يسقط قلبي مع هبوط الطائره من شدة الشوق , أخطو عليها أولى خطواتي و أنا أُقبلها بعيني و املأ جسدي برائحة هواها.
هنا القاهره الآسرة الهادرة الساهرة الساترة السافرة
هنا القاهرة الزاهرة العاطرة الشاعرة النيّرة الخيّرة الطاهرة
هنا القاهره الساخرة القادرة الصابرة المنذرة الثائرة الظافرة
ما أجمل ليلها الخلاب يصف الشعراء الليل عادة بالبهيم لكن ليلها عظيم , أرى وجوه الخلق المتنوعه التي تحمل الأسى و الرضا, وألسنتهم التي تنطق بالدعاء والسباب, تسير بنا السياره بين شوارعها المزدحمه و لوحات الاعلانات تصل للسماء أنظر للسماء في سعاده و كأنها سماء غير سماء الغربه رغم الأتربه رغم احصائيات البيئه و نسب التلوث هي أصفى سماء في نظري بنجومها القليله المتناثره التي تنعكس على سطح النيل الأصيل.
صدى الهمس في الزحمة و الشوشرة
أسى الوحدة في اللمة و النتورة
فوق كبري 6 أكتوبر يقف العشاق و الأصحاب في أحاديث متصله يشهد عليها النيل الذي يبعث لهم سحره و جماله ليصبح فُسحة الفقير و فتنة الفنان و قبلة العاشق , تصطف سيارات حمص الشام على الجانبين لا أراها تشوه المنظر كما يزعم البعض أراها تزيد من متعة رواد الكوبري و تضيف علامات الحياه المصريه التي تعشق (النأنأه) و (التلقيط) معظم الوقت, العشاق هائمون لا فرق بين الصادق و الغشاش و لا فرق بين الطيب الراضي و المتطلع الذي تدفعه الحياه لفعل أي شئ كلهم جزء من وطني الحائر.
هنا الحب و الكدب و المنظرة
نشا الغش في الوش و الإفترا
هنا القرش و الرش و القش و السمسرة
هنا الحب و الحق و الرحمة و المغفرة
في شارعنا الصغير مازال الأطفال يلعبوا الكره حتى منتصف الليل و تعلوا أصواتهم دون أن يتذمر أحد, هناك يقف عم أحمد بسيارة خشبيه صغيره ينادي على الأيس كريم تمر السنوات و تتغير الأحوال و سيارة عم أحمد لا تفارق الشوارع و صوته و هو ينادي يبعث جواً من الحميميه بين البيوت, أدخل في بيتي أكاد أضم كل ركن فيه , نشعل أضواء خافته معتمدين على النور المتسرب من بين ضلف الشيش , أحب اليل في مصر حتى لو لم أرى الشارع, أحبه و أنا بين أهلي أحتمي في دفئهم, نشاهد التلفاز بصوت عالي و نتحدث بصوت عالي و نضحك بصوت عالي جداً ونأكل البطيخ المثلج ثم اللب المحمص و ننام شبعانين سواء تنولنا العشاء أو لم نتناول شئ على الاطلاق.
و انا ف قلب دوامتك الدايرة بينا
بصرخ بحبّك يا أجمل مدينة
يا ضحكة حزينة .. يا طايشة و رزينة
ينتصف الليل و مازال ليلك صاحي لا ينام و البيوت مضاءة و كلام الناس و حكاياتهم لا تنتهي, انفرد بنفسي في غرفتي أنظر من النافذه على بيوتك القديمه الجديده الشاهقه الصغيره الفاخره الباليه, القمر يشاهد حكاويكي و شوارعك و القهاوي و الناس دون ملل و يستمع الى وعود العشاق و أمانيهم دون ضجر, أنام في أحضانك و أنا أحلم و أحلم و أحلم لأني أعلم أن ليلك مهما طال يليه إشراقه تنير الكون.
بحبّك و اعفّر جبيني في ترابك
و اعيش في رحابِك و أقف جنب بابك
جنايني أروي بالدم وردة شبابك
يا زينة جنينة حياتنا اللعينة
بحبّك يا بنت اللذين
بحبّك
الأغنية للشاعر الكبير سيد حجاب